من التأسيس إلى العصر الرقمي: مسيرة التطور القانوني في المملكة العربية السعودية

المحامية المتدربة بشرى بنت مبارك آل زعير

يوم التأسيس السعودي ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل هو شاهد على رحلة طويلة من البناء والتطور في مختلف المجالات، ومن أبرزها المجال القانوني.


فمنذ تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ، كانت الشريعة الإسلامية هي الأساس الذي تقوم عليه أنظمة الحكم والقضاء، ومع مرور الزمن شهدت المملكة تطورات تشريعية وتنظيمية عززت من استقرارها وأمنها القانوني.


المرحلة الأولى: القضاء المستند إلى الشريعة الإسلامية

في الدولة السعودية الأولى والثانية، كان القضاء يعتمد على الفقه الإسلامي، حيث كان القضاة يستندون إلى المذاهب الفقهية السائدة، مع تركيز خاص على المذهب الحنبلي. وكان القضاء يُمارس بشكل مستقل، ويتولى القاضي الفصل في المنازعات وفقًا لأحكام الشريعة، مع مراعاة العرف السائد في المجتمع.

المرحلة الثانية: التأسيس القانوني الحديث (الدولة السعودية الثالثة)

ومع توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله-، بدأت مرحلة جديدة من التنظيم القانوني، حيث تم إنشاء أولى الدوائر العدلية الرسمية بتأسيس رئاسة قضاة واحدة في المنطقة الغربية بمكة المكرمة بتاريخ (24 / 7 / 1344 هـ  الموافق 7 / 2 / 1926م ) ؛ لتشرف على قضاء محاكم الحجاز وما يتبعه، وأما نجد وملحقاتها فيقضي فيها قضاة منفردون في أمهات المدن, في كل مدينة قاض ينظر في جميع القضايا وعموم الأحداث التي تقع في مدينته وما حولها من القرى ، وفي أواخر العام (1389هـ  الموافق 1970 م ) شكلت هيئة قضائية عرفت باسم الهيئة القضائية العليا وقد تزامنت مع مباشرة وزارة العدل لأعمالها سنة 1390هـ.

المرحلة الثالثة: إصدار الأنظمة الأساسية وتحديث التشريعات

شهدت المملكة خلال العقود اللاحقة صدور العديد من الأنظمة التي أسهمت في تنظيم المجالات المختلفة، ومن

أبرزها:

-  النظام الأساسي للحكم (1412هـ - 1992م:) الذي أكد على أن المملكة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية، مع وضع إطار تنظيمي لمؤسسات الحكم.

-  نظام القضاء (1428هـ - 2007م): الذي رسّخ استقلالية السلطة القضائية، وأحدث نقلة نوعية في هيكلة المحاكم وتوزيع الاختصاصات.

-  نظام المرافعات الشرعية ونظام الإجراءات الجزائية: اللذان ساهما في تعزيز ضمانات العدالة وتحقيق الشفافية في التقاضي.

المرحلة الرابعة: التحول الرقمي ورؤية 2030

مع انطلاق رؤية المملكة 2030، دخلت الأنظمة القانونية السعودية مرحلة جديدة من التطوير والتحديث الرقمي، من خلال:

-  إطلاق منصة “ناجز” والخدمات العدلية الإلكترونية لتسهيل الإجراءات القانونية.

-  إقرار نظام الإثبات ونظام الأحوال الشخصية ونظام المعاملات المدنية، وهي أنظمة حديثة تعزز اليقين القانوني وتحاكي الممارسات الدولية مع الحفاظ على الهوية الشرعية والوطنية.

-  التوسع في التحكيم والقضاء التجاري لدعم بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات.


ختامًا

يوم التأسيس هو مناسبة عظيمة نستذكر فيها رحلة المملكة القانونية المباركة، التي انطلقت منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى مستندة إلى أحكام الشريعة الإسلامية، ثم تطورت بفضل الله ثم بحكمة قيادتنا الرشيدة إلى أنظمة متكاملة تستوعب متطلبات العصر الحديث، دون أن تفقد أصالتها وهويتها الإسلامية.

لقد حظيت المملكة برؤية سديدة جعلت العدل ركيزة أساسية في مسيرتها التنموية، فكان التطوير التشريعي شاهدًا على التقدم والازدهار، حتى غدت بلادنا نموذجًا يُحتذى به في إرساء العدالة وترسيخ الحقوق.

نسأل الله أن يديم على هذه البلاد أمنها ورخاءها، وأن يحفظ ولاة أمرها، ويجعلها دائمًا منارة للعدل والاستقرار، وموئلًا للرخاء والتمكين، إنه سميع مجيب.

حرره: المحامية المتدربة بشرى بنت مبارك آل زعير


登录 留下评论
الاحتيال المالي وخيانة الأمانة
المحامية وصال البلوي