أثمرت التطورات التقنية في السنوات الأخيرة عن تغيير جذري في طرق التعاملات التجارية والشخصية، مما جعل التعاقدات الإلكترونية أحد الركائز الأساسية في الحياة اليومية في المملكة العربية السعودية. ومع كل هذا التطور المبهر في مجال التقنية والتحول الرقمي، أصبح التعاقد الإلكتروني أحد الأنماط الأساسية في إتمام المعاملات التجارية والمدنية.
وقد سَنَّ المنظم العديد من التشريعات التي تهدف إلى تنظيم وضبط العمليات لحمايتها قانونياً. يتناول هذا المقال آليات التعاقد الإلكتروني في النظام السعودي، مع التركيز على الضوابط القانونية التي تحكم هذه العملية.
مفهوم التحول الرقمي في التعاقدات:
هو استخدام التقنيات الحديثة لتسهيل وتنظيم عمليات التعاقد بين الأطراف، والخروج من مفهوم التعاقد التقليدي لإنجاز المعاملات القانونية والتجارية عبر استخدام الشبكة العنكبوتية.
وتكمن أهميته فيما يلي:
1- تسريع الإجراءات: يُسهم في تقليل الوقت المستغرق لإتمام المعاملات من عدة أيام إلى عدة دقائق، مما يعزز من سرعة الإنجاز.
2- الوصول السريع والتكلفة الأقل: يُسهّل التعاقد الرقمي الوصول إلى عدة أطراف من مختلف أنحاء العالم بوقت أسرع وتكلفة أقل، لاستغنائه عن المخاطبات الورقية التقليدية وتكاليف السفر من دولة لأخرى.
تطور التعاقدات الرقمية في النظام:
تشهد المملكة العربية السعودية تطوراً ملحوظاً في مجال التحول الرقمي وتماشياً مع رؤية 2030، خاصة في القطاع القانوني والتجاري، حيث أطلقت العديد من التشريعات التنظيمية التي تهدف إلى تنظيم التعاقدات الإلكترونية. ومن أبرزها:
1/ نظام التعاملات الإلكترونية: وهو نظام صدر في 08/03/1428هـ، ويهدف إلى ضبط التعاملات والتوقيعات الإلكترونية، وتنظيمها، وتوفير إطار نظامي لها بما يؤدي إلى تحقيق:
1/إرساء قواعد نظامية موحدة لاستخدام التعاملات والتوقيعات الإلكترونية وتسهيل تطبيقها في القطاعين العام والخاص بوساطة سجلات إلكترونية يعول عليها.
2/إضفاء الثقة في صحة التعاملات، والتوقيعات، والسجلات الإلكترونية، وسلامتها.
3/تيسير استخدام التعاملات والتوقيعات الإلكترونية على الصعيدين المحلي والدولي للاستفادة منها في جميع المجالات، كالإجراءات الحكومية والتجارة والطب والتعليم والدفع المالي الإلكتروني.
4/إزالة العوائق أمام استخدام التعاملات والتوقيعات الإلكترونية.
5/منع إساءة الاستخدام والاحتيال في التعاملات والتوقيعات الإلكترونية.
2/نظام التجارة الالكترونية: وهو نظام صدر في 07/11/1440هـ، ويهدف إلى تعزيز البيئة التجارية بتنظيم التجارة عبر الإنترنت من جميع جوانبها، حيث حدد النظام العلاقة بين البائع والمشتري وحماية حقوق المستهلك.
التحديات والعقبات التي يجب التغلب عليها:
كما أن للتحول الرقمي من مزايا عديدة يصعب حصرها إلا أنه يواجهه بعض التحديات منها:
1/الأمان والخصوصية: من أكبر المواضيع التي تشكل تحدياً كبيراً في التعاملات الرقمية، مشكلات الأمان والخصوصية والخوف من تسرب المعلومات وتعرض البيانات لمشكلات الاختراق، فلا بد من مواجهة ذلك بتأمين أنظمة حماية قوية للمحافظة عليها.
2/القضايا المتعلقة بالتحكيم: من التحديات التي تواجه التحول الرقمي في التعاقد كيفية حل النزاعات القانونية التي تنشأ بين أطراف التعاقد عبر الشبكة العنكبوتية؛ ففي بعض الحالات يصعب تحديد الاختصاص القضائي أو أماكن تواجد أطراف التعاقد.
تأثيره على الاقتصاد في المملكة العربية السعودية:
يسهم التحول الرقمي في تعزيز الكفاءة الاقتصادية، مما يقلل التكاليف التشغيلية للشركات والمؤسسات. فالعقود والأنظمة الإلكترونية تُسَرِّع من عمليات التفاوض والتنفيذ، مما يقلل الزمن اللازم لإتمام المعاملات ويزيد من الإنتاجية. ومع التحول الرقمي، تتسع الأسواق أمام الشركات المحلية بحيث يمكنها الوصول للأسواق العالمية عبر الشبكة العنكبوتية، مما يعزز من التنافسية ويمكّن الشركات المحلية من التوسع بسهولة بفضل التعاقدات الرقمية التي تساهم في الوصول إلى الشركات الدولية.
على الرغم من الفوائد الجمّة التي يقدمها التحول الرقمي في التعاقدات، إلا أنه يواجه العديد من التحديات القانونية والتقنية والأمنية.
وبينما يواجه هذا التحول العديد من التحديات، إلا أن الفرص التي يوفرها تتعدى مجرد تسهيل الإجراءات إلى تحسين الكفاءة الاقتصادية وزيادة الاتصال بين الأسواق العالمية. لذلك، يتطلب الأمر من الأنظمة القانونية مواكبة هذا التحول الرقمي عبر تحديث التشريعات وتبني أدوات قانونية وتقنية تدعم هذا الاتجاه، مما يعزز من استدامة التعاملات الإلكترونية التجارية في المستقبل.
المحامية المتدربة: بشرى بنت مبارك آل زعير