في عالم المعاملات المدنية، يُعد مبدأ “الإثراء بلا سبب” من الأسس التي تضمن تحقيق العدالة بين الأفراد وتحفظ حقوقهم. فحين يحصل شخص على منفعة دون وجه حق، ويُجبر الآخر على تحمل الخسارة دون تعويض، يظهر القانون كحكم عادل يعيد الأمور إلى نصابها. في هذا المقال، سنستعرض كيف يُنظم نظام المعاملات المدنية السعودي هذا المبدأ، وأثره في حماية الحقوق ومنع التعدي على ممتلكات الآخرين، لنبين كيف أن القانون لا يقف مكتوف الأيدي أمام المكاسب غير المشروعة، بل يسعى لتصحيح الأوضاع ورد الحقوق إلى أصحابها.
تعريف مبدأ الإثراء بلا سبب:
عرف نظام المعاملات المدنية في مادته المادة الرابعة والأربعون بعد المائة المبدأ بأنه كل شخص -ولو غير مميز- يثري دون سبب مشروع على حساب شخص آخر يلزمه في حدود ما أثرى به تعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة، ويبقى هذا الالتزام قائمًا ولو زال الإثراء فيما بعد.
الشروط الجوهرية لتحقق الإثراء بلا سبب:
لكي يُعد الإثراء بلا سبب قابلاً للمطالبة بالتعويض في نظام المعاملات المدنية، يجب أن تتوفر الأركان التالية:
1. إثراء المدين: أن يحقق الشخص منفعة مادية أو معنوية.
2. افتقار الدائن: أن يتعرض الطرف الآخر لخسارة أو ضرر نتيجة لهذا الإثراء.
3. غياب السبب المشروع: ألا يكون هناك سبب قانوني أو تعاقدي يبرر حصول الإثراء.
الأبعاد القانونية لمبدأ الإثراء بلا سبب:
عندما يُثبت الإثراء بلا سبب، يكون للمتضرر الحق في المطالبة بالتعويض عن الخسارة التي تكبدها، على أن يكون هذا التعويض بقدر المنفعة التي حصل عليها الطرف الآخر.
كما أنه لا تُسمع الدعوى الناشئة عن الإثراء بلا سبب أو دفع غير المستحق أو الفضالة بانقضاء (ثلاث) سنوات من تاريخ علم الدائن بحقه. وفي جميع الأحوال لا تُسمع الدعوى بانقضاء (عشر) سنوات من تاريخ نشوء الحق كما هو مذكور في المادة التاسعة والخمسون بعد المائة من نظام المعاملات المدنية.
دور المبدأ في تعزيز العدالة:
الإثراء بلا سبب يهدف إلى تحقيق توازن عادل بين الأطراف، ويمنع أي طرف من الاستفادة على حساب الآخر بشكل غير مشروع. كما يعزز الثقة في المعاملات المدنية ويُساهم في استقرار العلاقات القانونية والاجتماعية.
موقف نظام المعاملات المدنية السعودي:
سن المنظم نظام المعاملات المدنية السعودي، والذي أقر بين طياته مبدأ الإثراء بلا سبب في مواضع متعددة. على سبيل المثال، أحكام الغصب والضمان تؤكد أن من يستفيد على حساب الآخرين دون وجه حق مُلزم بتعويض المتضرر.
ختامًا، يُعد الإثراء بلا سبب مفهومًا قانونيًا راسخًا يعكس جوهر العدالة والإنصاف في التعاملات الإنسانية. فهو يُؤكد على ضرورة التوازن في الحقوق والواجبات، ويمنع استغلال الآخرين لتحقيق مكاسب غير مشروعة. إن ترسيخ هذا المبدأ في الواقع العملي لا يقتصر على حفظ الحقوق، بل يُسهم أيضًا في تعزيز الثقة بين الأفراد وبناء مجتمع يسوده الاحترام والعدالة.
حرره/
المحامية المتدربة: بشرى بنت مبارك آل زعير