الحضانة: أبعاد شرعية وقانونية لمصلحة الطفل وتحقيق العدالة الأسرية

المحامية المتدربة: بشرى بنت مبارك آل زعير

تُعد الحضانة أحد القضايا الأسرية ذات الأهمية البالغة في الأنظمة القضائية، نظرًا لما تمثله من دور محوري في تحقيق استقرار الأسرة وضمان رعاية الطفل. وفي النظام السعودي، تُبنى أحكام الحضانة على أسس مستمدة من الشريعة الإسلامية، مع إيلاء الأولوية لمصلحة الطفل وحقوق الأطراف المعنية.

يهدف هذا المقال إلى استعراض الإطار القانوني لأحكام الحضانة في المملكة العربية السعودية، مع التركيز على معاييرها وإجراءاتها وفقًا للنظام، مدعومة بالأدلة الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة.


مفهوم الحضانة وأساسها الشرعي


الحضانة في اللغة تعني الرعاية والاحتضان، وفي الشريعة الإسلامية هي: “رعاية الطفل وتربيته بما يحقق مصلحته وحمايته جسديًا ونفسيًا”.

•الأساس الشرعي للحضانة مأخوذ من النصوص الشرعية مثل قوله تعالى:

“لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا” (البقرة: 233) تؤكد الآية على حماية حقوق الوالدين والطفل معًا.

•من السنة النبوية: قول النبي ﷺ للمرأة التي طلبت حضانة ابنها:

“أنتِ أحق به ما لم تنكحي” (رواه أبو داود).


الأطراف المشمولة بالحضانة


الحاضن:

يشمل الأم كأولوية، ثم الأب، ثم الأقارب وفق ترتيب منصوص عليه بنظام الأحوال الشخصية في مادته (127).

•المحضون:

وهو الطفل الذي تتطلب مصلحته الرعاية، ويمتد سن الحضانة بحسب اجتهاد القاضي والاعتبارات المصلحية.


معايير تحديد الحضانة في النظام السعودي


. مصلحة الطفل كمعيار أساسي عند الفصل في قضايا الحضانة:

•تشمل المصلحة:

1-     توفير بيئة آمنة ومستقرة نفسيًا واجتماعيًا.

2-     القدرة على تلبية احتياجات الطفل الصحية والتعليمية.

. اعتبارات أخرى مؤثرة:

• جنس الطفل وعمره: تُرجَّح الأم لحضانة الأطفال الصغار حتى سن التمييز، استنادًا إلى قوله ﷺ: “من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة” (رواه الترمذي).

• قدرة الحاضن على توفير الرعاية: مثل وجود سكن ملائم ودخل ثابت.


في خضم التحديات التي تواجه الأسر المعاصرة، تبرز المملكة العربية السعودية كأنموذج رائد في تبني سياسات وتشريعات تحفظ كيان الأسرة وتضمن استقرارها.

ومن أبرز الجهود المبذولة فتح باب المصالحة كإجراء أولي في جميع قضايا الأحوال الشخصية، حيث تُعطى الأولوية للحوار والوساطة تحقيقًا لقول الله تعالى: “وَالصُّلْحُ خَيْرٌ” (النساء: 128).

هذه الخطوة ليست مجرد إجراء قانوني، بل هي انعكاس عميق لرؤية المملكة في تعزيز الروابط الأسرية وتقليل النزاعات التي قد تؤثر على الأبناء واستقرار الأسرة.

 من خلال هذه السياسة، تؤكد المملكة على أن العدل لا يتحقق فقط بإصدار الأحكام، بل بإرساء قيم الرحمة والتفاهم التي تنبع من الشريعة الإسلامية.


وبينما تبذل الجهات القضائية جهودها لتحقيق العدالة الناجزة، تبقى المصالحة وسيلة سامية لإعادة بناء الجسور بين الأطراف، مما يجعل قضايا الأحوال الشخصية وسيلة لتعزيز الترابط الأسري، لا تفكيكه. وهكذا، تُثبت المملكة أن القوانين ليست فقط لحل النزاعات، بل أداة لبناء مجتمع أكثر استقرارًا ووعيًا بمسؤولياته الأسرية.


إن الأسرة، بجذورها الراسخة وأغصانها المترامية، ستظل النواة الأولى لبناء المجتمع، والمملكة بعزمها الراسخ ورؤيتها الطموحة مستمرة في تعزيز قيم الإصلاح والتكافل، لتبقى الأسر السعودية نموذجًا يُحتذى به في الترابط والانسجام.


المحامية المتدربة: بشرى بنت مبارك آل زعير

 

登录 留下评论
حماية الملكية الفكرية للمؤلفين: ضمان حقوق الإبداع وصون الأفكار
المحامية المتدربة: بشرى بنت مبارك آل زعير