المسؤولية المهنية للطبيب

المحامي والمستشار القانوني مروان آل إبراهيم

تشكل مهنة الطب أحد أكثر المهن نبلاً وخطورة في الوقت ذاته، حيث تتعلق بصحة الإنسان وسلامته الجسدية والنفسية. ولهذا فإن المسؤولية الملقاة على عاتق الطبيب تتجاوز الجانب الفني إلى أبعاد قانونية وأخلاقية تتطلب التزاماً عالياً بالمعايير المهنية. وتُعد المسؤولية المهنية للطبيب من المواضيع الجوهرية في القانون الطبي، حيث تتقاطع فيها قواعد المسؤولية المدنية والجنائية والتأديبية.

 

أولاً: تعريف المسؤولية المهنية للطبيب

(بوجه عام) فالمسؤولية هي حال أَو صفة من يسأَل عن أَمر تقع عليه تَبعته، يقال أَنا بريء من مسؤولية هذا العمل، وتطلق (أخلاقيا) على الْتِزَام الشخص بما يصدر عنه قولا أَو عملا وَتطلق (قانوناً) على الالتزام بإصلاح الخطأ الواقع على الغير طبقاً لقانون.

 

والمسؤولية إما أن تنشأ عند الاخلال بالتزام أخلاقي لا يترتب عليها جزاء قانوني، وإنما يقتصـر فيها العقاب على تأنيب الضمير أو الشعور النفسـي أو استهجان المجتمع، أو أن تنشأ نتيجة الاخلال بالتزام قانوني وفي هذه الحالة إما أن تكون مدنية أو جنائية ويوقع فيها بعقوبة مادية على النفس أو المال. 

 

والطبيب كفرد من أفراد المجتمع قد يخالف القوانين أو يرتكب الجرائم، إلا أنه يتميز عنهم بأنه مؤهل في مجال تخصص مهني ومرخص له بأن يزاوله، فعندما يخطئ ويُلحق أضراراً بالمرضى سواء عن قصد أو إهمال، أو عندما يرتكب جريمة كالرشوة أو التزوير فإنه يكون مسؤولاً بصفته المهنية عن تبعات هذا الخطأ، ويحاسب لإخلاله بالسلوك المهني.

 

فالمسؤولية المهنية هي مجرد وصف خاص بالمركز القانوني للمهنيين، وتعرف بالمعنى العام للمسؤولية، ويقصد بها تحمل الطبيب لتبعة أعماله بصفته طبيباً، فهو عندما ينحرف بسلوكه سواء داخل نطاق المهنة الطبية أو خارجها فإن ذلك يؤدي إلى تحمله تبعة هذا الانحراف، وقد يواجه مسؤولية تأديبية أو مدنية أو جنائية، فإذا نشأت إحدى هذه المسؤوليات، فإنه يتم البحث في أركان هذه المسؤولية الناشئة وضوابطها.

 

ثانياً: أنواع المسؤولية المهنية للطبيب

1. المسؤولية المدنية: تنشأ عند إخلال الطبيب بواجباته مما يسبب ضررًا للمريض ويستوجب التعويض.

2. المسؤولية الجنائية: تتحقق عند ارتكاب الطبيب لخطأ جسيم يصل إلى مرتبة الجريمة (كالإهمال الجسيم أو الإجهاض غير المشروع).

3. المسؤولية التأديبية: تترتب على مخالفة الطبيب لأخلاقيات المهنة أو الأنظمة الإدارية، وتُطبق من قبل الهيئات المهنية أو الجهة المختصة.

 

ثالثاً: مصادر المسؤولية المهنية للطبيب

1. القانون (النظام الصحي والأنظمة ذات الصلة).

2. الأعراف والتقاليد الطبية.

3. القواعد الأخلاقية والمهنية المعتمدة.

4. العقود بين الطبيب والمريض أو الجهة الصحية.

 

رابعاً: شروط قيام المسؤولية المهنية

حددت المادة السابعة والعشرون من نظام مزاولة المهن الصحية أن كل خطأ مهني صحي صدر من الممارس الصحي وترتب عليه ضرر للمريض يلتزم من ارتكبه بالتعويض. وهو ما يعني أن عناصر المسؤولية المهنية الموجبة للتعويض هي:

1. وجود خطأ طبي (فعل أو امتناع يخالف القواعد الفنية المتعارف عليها).

2. وقوع ضرر للمريض (جسدي أو معنوي).

3. وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر.


خامساً: صور الخطأ الطبي

حدد نظام مزاولة المهن الصحية صور الخطأ الطبي فيما يلي:

1. الخطأ في العلاج، أو نقص المتابعة.

2. الجهل بأمور فنية يفترض فيمن كان في مثل تخصصه الإلمام بها.

3. إجراء العمليات الجراحية التجريبية وغير المسبوقة على الإنسان بالمخالفة للقواعد المنظمة لذلك.

4. إجراء التجارب أو البحوث العلمية غير المعتمدة على المريض.

5. إعطاء دواء للمريض على سبيل الاختبار.

6. استخدام آلات أو أجهزة طبية دون علم كافٍ بطريقة استعمالها، أو دون اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع حدوث ضرر من جراء هذا الاستعمال.

7. التقصير في الرقابة والإشراف.

8. عدم استشارة من تستدعي حالة المريض الاستعانة به.

 

سابعاً: وسائل الحد من المسؤولية الطبية

للحد من المسؤولية المهنية للطبيب يتعين على المنشآت الطبية والصحية الالتزام بعدة معايير عند مزاولة المهنة من أهمها:

1. الالتزام بالتحديث المستمر للمعرفة الطبية.

2. الالتزام بأخلاقيات المهنة والأنظمة.

3. توثيق المعلومات الطبية والإجراءات العلاجية.

4. الحصول على موافقة المريض المستنيرة.

 

خاتمة

تشكل المسؤولية المهنية للطبيب إطاراً ضامناً لسلامة الممارسة الطبية، وحمايةً لحقوق المرضى، ومن المهم التوفيق بين حماية المريض من الأخطاء الطبية، وعدم التضييق على الأطباء بما يمنعهم من أداء واجبهم في بيئة مهنية آمنة ومنظمة، ويُعد الوعي القانوني لدى الأطباء عاملاً مساعداً في تحقيق هذا التوازن، ولقد سخر مكتب الدكتور مشافي بن ثقفان كل الجهود العلمية بمجموعة مختارة من الكوادر المتخصصة في العلوم القانونية والصحية، لتعزيز هذه العوامل من أجل تحقيق السلامة القانونية للأطباء بما يمكنهم من أداء أعمالهم في بيئة عمل قانونية، وكذلك حماية المرضى الذين يحتاجون للمساعدة للحصول على حقوقهم.


المحامي والمستشار القانوني

مروان آل إبراهيم

تسجيل الدخول حتى تترك تعليقاً
نظام السجل التجاري الجديد… بيئة أعمال برؤية 2030
المحامية المتدربة: بشرى بنت مبارك آل زعير