بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الصبور الشكور، العليم الخبير، السميع البصير. الذي يوفق أوليائه الصالحين إلى أعمال الخير، وفق الصحابة الأبرار إلى كتابة القرآن، فقد روى البخاري عن زيد بن ثابت الأنصاري، وكان ممن يكتب الوحي انه قال: أرسل إلي أبو بكر مقتل اهل اليمامة وعنده عمر فقال أبو بكر إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس وإني اخشى ان يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا ان تجمعوه وإني لأرى أن تجمع القرآن…. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ماكان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن…. فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره وهي: قال تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ [التوبة: ١٢٨، ١٢٩]. فنحمد الله ونشكره على نعمة القرآن.
والصلاة والسلام على خير البشر نبينا محمد ﷺ، من بعثه الله رحمةً للعالمين وحجةً على العباد أجمعين، من قال لعبد الله بن عمرو بعد ان كان يكتب كل شيء يسمعه منه: اكتب فوالذي نفسي بيده، ما يخرج منه إلا حقا وأشار إلى لسانه، فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وسلم تسليماً كثيرا.
اما بعد فلما كانت الكتابة من اهم وسائل الاثبات، ونظراً لأهمية الموضوع في الشريعة وفي نظام الإثبات، فقد جاءت أطول آية في القرآن يوصينا الله فيها بالكتابة والتوثيق ولكونها الوسيلة الأكثر شيوعاً والأكثر إستخداماً في جميع المعاملات بين البشر، وعلى هذا فقد اعددت هذه الورقة البحثية أسميتها هذه الورقة البحثية: حجية الإثبات بالكتابة، و استعنت بالله للبحث في هذا الموضوع ورتبت موضوعات البحث وفقاً لما ورد من النصوص في نظام الإثبات السعودي واقتصرت في ذكر المواد الموضوعية دون الإجرائية منها، بادياً في تعريفها وذكر أهميتها في المبحث التمهيدي، ومثنياً في ذكر أنواع الكتابة وذلك في المبحث الثاني، وخاتماً في الطعن في الكتابة وذلك في المبحث الثالث، وإنما انا بشر اخطئ وأصيب، فإن أحسنت فمن الله، وإن قصرت فمن نفسي والشيطان، سائلاً المولى عز وجل لي ولكم دوام التوفيق لما فيه خير لنا في ديننا ودنيانا.
خطة البحث:
المبحث التمهيدي: مفهوم الكتابة
المطلب الأول: تعريف الكتابة.
المطلب الثاني: أهمية الكتابة.
المبحث الأول: أنواع الكتابة
المطلب الأول: الكتابة الرسمية
المطلب الثاني: الكتابة العرفية
المبحث الثالث: الطعون
المطلب الأول: الطعن في الكتابة الرسمية
المطلب الثاني: الطعن في الكتابة العرفية
المبحث الأول: مفهوم الكتابة
تحتل الكتابة مكانة هامة في الإثبات في عصرنا هذا مما تتميز به عن باقي طرق الإثبات من حيث بقائها وإمكانية إستمرار العمل بها وسهولة إعدادها[1].
وبناءً على ما تقدم سوف نعرف الكتابة ونذكر أهميتها في الفقه الإسلامي والقانوني.
المطلب الأول: تعريف الكتابة:
الكتابة لغة: كَتَبَ الشيء وكَتَبَهُ: خَطَّهُ[2].
الكتابة في الاصطلاح الفقهي: لم أقف على تعريف للكتابة في الإثبات -فيما اطلعت عليه من مصادر- لدى الفقهاء المتقدمين المراد دراستها في هذا البحث، وعرفها الفقهاء المعاصرين منهم الشيخ عبدالله آل خنين على أنها: (الخط المرسوم على الوجه المعتاد توثيقاً للحق ليكون حجة عند النزاع فيه[3]).
الكتابة في الاصطلاح القانوني: وهي الأداة التي يتم من خلالها صياغة الأفكار الداخلية للتعبير عن الإرادة لتصبح حقيقة يتعامل بها بصورة ألفاظ مكتوبة[4].
ومن خلال التعريفات السابقة يمكننا أن نرجح تعريفاً يجمع خصائص التعريفين السابقين فيما يلي، الكتابة: الصورة التي يتم من خلالها الصياغة على الوجه المعتاد ليعبر الشخص عن إرادته لتكون حجة أمام الغير والقضاء.
المطلب الثاني: أهمية الكتابة
تعتبر الكتابة من أهم الوسائل لتبليغ المعاني وتوثيق المعاملات بين الناس، فقد جاء ذكرها في القرآن الكريم لإثبات الحقوق وتوثيقها، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
[1] انظر: د. محمود محمد هاشم، ص ١٩١
[2] ابن منظور، لسان العرب،حرف ب، مادة كتب، ص٦٩٨
[3] عبدالله ال خنين، الكاشف، ص٩٠
[4] د. علي شطناوي، أصول الصياغة القانونية، ص١٢٢
وفي السنة جاء عن عبدالله بن عمر أن رسول الله ﷺ قال: ((ما حق امرئ مسلم شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))[5].
فلا يختلف عاقل على أهمية الكتابة في مختلف الأزمان، فلم تتوارث العلوم إلا عن طريقها، ولم تكن ستصلنا مصنفات العلماء والفقهاء إلا من خلالها، فبها انبنت العلوم، وتغذت العقول، وتوثقت الحقوق، قال ابن القيم الجوزية في الطرق الحكمية: (ولو لم يعتمد على ذلك لضاع الإسلام اليوم، وسنة رسول الله ﷺ، فليس بأيدي الناس -بعد كتاب الله- إلا هذه النسخ الموجودة من السنن، وكذلك كتب الفقه الاعتماد فيها على النسخ)[6]. وهذا ما يؤكده شيخ الإسلام ابن تيمية بقوله: (والعمل بالخط مذهب قوي، بل هو قول جمهور السلف)[7].
وعلى هذا السياق، في هذا العصر احتلت الكتابة المرتبة الأولى من حيث وسائل الإثبات، وقد أولى المنظم السعودي الاهتمام بالكتابة من بين وسائل الإثبات فخصها في الباب الثالث من نظام الإثبات من المادة ٢٥-٣٣، فدور الكتابة مهم في إثبات الحقوق وتوثيق المعاملات، خاصةً على الأشياء ذات الأقيام المرتفعة كالعقارات والأدوات الثمينة والمبالغ النقدية عالية القيمة[8]، فلا يصح الاحتجاج أمام القضاء بغير الكتابة إذا تجاوزت التعاملات عن مائة ألف ريال، وكذلك إذا كانت غير محددة القيمة، إلا إذا اتفق الأطراف على غير ذلك[9].
وبناءً على ما سبق، وبعد أن تعرفنا على تعريف الكتابة وبينا أهميتها في كل من الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، نستطيع الآن الانتقال لمعرفة أنواع الكتابة بشيء من التفصيل سائلاً المولى عز وجل التوفيق والسداد.
المبحث الأول: أنواع الكتابة
تنقسم الكتابة إلى قسمين كتابة رسمية، وكتابة عادية، سوف نتناول كل واحدة منها في مطلب مستقل.
المطلب الأول: الكتابة الرسمية:
ورد في الشريعة عدة مواضع للكتابة الرسمية دون أن تعنون في هذا العنوان. فقد كان يكتب الصحابة للرسول رسائله إلى الملوك، وفي الجامع للبخاري: عن أنس بن مالك لما أراد الرسول عليه الصلاة والسلام أن يكتب للروم قالوا: (إنهم لا يقرءون كتاباً إلا مختوماً، فاتخذ النبي ﷺ خاتماً من فضة كأني أنظر إلى وبيصة ونقشة محمد رسول الله[10])، وكذلك كانوا يكتبون له إلى أصحابه في الأمصار مثل كتاب علي بن أبي طالب وكتاب معاذ بن جبل[11].
ثم تعرض الفقهاء في عدة مواضع إلى كتاب القاضي للحكم[12]، وكتاب القاضي للقاضي بما وقع عند الأول من وقائع[13] ما نستطيع أن نسميه في عصرنا هذا الاستخلاف، واختلف الفقهاء حول مدى حجية الكتابة وهو ما سوف نناقشه في المبحث الثاني.
وعليها فقد نصت مجلة الأحكام الشرعية وهي مقننة على المذهب الحنبلي: (يعمل بسجلات المحاكم المصونة تحت أيدي القضاة إذا كانت سالمة من شبهتي التزوير والحيلة)[14].
وبناءً على ما تقدم، شرع المنظم السعودي في تنظيم المحررات الرسمية ووضع شروطاً للتفريق بينها وبين المحررات العادية وهي:
(١- يجب أن يثبت به موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة، على ما تم على يديه أو ما تلقاه من ذوي الشأن.
٢- وأن تكون هذه الورقة طبقاً للأوضاع النظامية.
٣- وأن تكون في حدود سلطته واختصاصه)[15]، وعندها يكون المحرر حجة على جميع الأطراف بما يحتويه ما لم يثبت تزويره بالطرق النظامية. ولعل من المهم ذكر أنه في حال وجود صورة من المحرر الرسمي فإنه يكون حجة لصاحبه ما لم يكن هناك اختلاف بين الأصل والصورة، أو لم تؤخذ الصورة وفقاً للإجراءات المنظمة لذلك[16].
المطلب الثاني: الكتابة العرفية
أولى الشرع أهمية بالغة في الكتابة غير الرسمية، وهي ما يتعارف بين الناس في حفظ حقوقهم وتوثيق تعاملاتهم، ووردت في القرآن أطول آية فيه وهي آية الديون، وكذلك في السنة حديث النبي ﷺ: ((ما حق امرئ مسلم شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)) الذي سبق وذكرناه، ومما لاشك فيه هذا يدل على اهتمام الشرع في الكتابة والتوثيق.
وعلى هذا السياق عرف عبدالله آل خنين الأوراق غير الرسمية على أنها هي العقود والإقرارات وغيرها من الأوراق التي تصدر من أصحاب الشأن دون أن تكون صادرة أو موثقة من موظف عمومي[17].
وبناءً على ما سبق، جاء في نظام الإثبات أن المحرر يكون حجةً على من وقعه إلا إذا أنكر ذلك[18]، ولا يسمع منه هذا الإنكار في عدة حالات وهي[19]:
• إذا ناقش موضوعه.
• إذا سكت ولم ينكر صراحةً خطه أو توقيعه أو ختمه أو بصمته.
كما تسري هذه الشروط على الصورة من المحرر العادي.
إضافةً لما تم ذكره وبعد كثرة التعاملات التجارية وغير التجارية في زماننا هذا، فقد ظهرت الحاجة إلى زيادة الوسائل الكتابية التي توثق بها التعاملات وتكون حجة على الأطراف المتعاقدين، فظهرت وسائل جديدة في الكتابة، البعض منها يعتبر حجة والبعض الآخر لا يعتبر حجة إلا على صاحبها، وذلك ما نستطيع تقسيمه إلى قسمين:
القسم الأول: الوسائل التي يحتج بها على الطرفين:
• المراسلات التي ثبت نسبتها إلى مرسلها[20].
• دفاتر التجار الإلزامية المنتظمة[21] وهي دفتر اليومية الأصلي ودفتر الجرد ودفتر الأستاذ العام[22]، تكون حجة لمحررها ضد خصمه التاجر.
القسم الثاني: الوسائل التي لا يحتج بها إلا على مصدرها:
• دفاتر التاجر الإلزامية غير المنتظمة.
• إذا استند أحد المتنازعين التاجرين على دفاتر خصمه[23].
وكذلك الأوراق والدفاتر الخاصة تكون حجة على صاحبها بشرط إذا صرح بها أنه استوفى دينه أو كانت نيته مما دونه أن تقوم مقام السند لمصلحة الطرف الآخر.
بعد أن تعرفنا على أنواع الكتابة، وفرقنا بين الكتابة الرسمية والكتابة غير الرسمية، يثور التساؤل حول هل هذه السندات تعتبر حجة مطلقة أو يجوز الطعن فيها؟ وهل يلزم القاضي بالحكم على أساسها؟ وهذا ما سوف نعرفه في المبحث الثاني.
المبحث الثاني: الطعون
المطلب الأول: الطعن في الأوراق الرسمية:
اختلف الفقهاء حول مدى حجية السندات وقوتها وتشعبت آراءهم في هذا الموضوع، وسوف نتطرق في هذا المطلب بما ذكروه حول مدى حجية حكم القاضي المكتوب لكونها أوراق رسمية تصدر من الوالي أو من ينيبه، وفي المطلب الثاني سنتكلم عن حجية الأوراق العادية الصادرة من الأفراد.
فقد فصل ابن القيم الجوزية رحمه الله في كتابه الطرق الحكمية في ذكر آراءهم وسوف نعرض آراءهم بإختصار، ذكر فيها: إذا رأى القاضي حكمة على إنسان في سند، فهل يكون حجة معتبرة ويلزم فيها[24]؟
فيما ذكره: أن عن أحمد ثلاث روايات: (الأولى: إذا تيقن أنه خطه نفذه وإن لم يذكره، الثانية: أنه لا ينفذه حتى يذكره، الثالثة: أنه إذا كان في حرزه وحفظه نفذه وإلا فلا).
والمشهور عند الشافعي روايتين، الأولى: أن لا يأخذ بخطه حتى وإن أشهد عليه، والثانية: يؤخذ به بشرط تكون محفوظةً عنده وهي متفقة مع القول الثالث لأحمد.
أما أبي حنيفة، فهي كالرواية الثانية والثالثة لأحمد، حيث اشترط أن يتذكر خطه أو أن تكون محفوظةً عنده.
وكذا الإمام مالك قال: (لا يعتمد على خطه إذا لم يذكره لإمكان التزوير عليه).
ونستطيع القول أن علة ما بنوا عليه آراءهم هي عدم إمكانية التحقق من وقوع تزوير على السند وسهولة محاكاة الخطوط[25].
وبناءً على ما سبق فإن المنظم السعودي منح السلطة الكاملة للمحكمة للتقدير في مدى حجية السند إذا طرأت عليه عيوب مادية، فقد تسقط حجيته وقد تنتقص منها[26]، ولكنه قيد من ناحية الإنكار على الورقة الرسمية، حيث لم يجز للأطراف أن ينكروا الختم أو الخط أو الإمضاء إذا صدرت من موظف عام، مما يتبين لنا أنه اتجه إلى موافقة الرأي الأول عن الإمام أحمد وهي الاعتماد على التيقن من صحتها، ومما لاشك فيه بعد أن استحدثت الأختام والبصمات وغيرها من وسائل التوثيق، لم يعد اليقين مبني على معرفة الخط، بل على موثوقية الختم أو الإمضاء.
وعليها فإن ليس للأطراف أن ينكروا المحرر الرسمي ولكن لهم أن يدعوا وقوع التزوير فيه، ولكن يشترط للأخذ بهذا الادعاء والتحقيق فيه شروط، وهي:
• أن يحدد المدعي جميع المواضع التزوير المدعى بها، وإجراءاته، وشواهده.
• أن يكون الادعاء بالتزوير منتجاً في النزاع.
• أن لا تكفي وقائع الدعوى ومستنداتها لإقناع القاضي بصحة المحرر أو بتزويره.[27]
• أن ترى المحكمة أن الإجراءات التي طلبها المدعي بالتزوير منتجة في الدعوى وجائزة.
• أن يسلم المحرر الذي يدعي تزويره إلى المحكمة أو صورته إذا لم يكن تحت يده[28].
فإذا لم تتوفر أي من الشروط السابقة، يسقط حق المدعي بالإدعاء بالتزوير ولا يحق له المطالبة بذلك.
المطلب الثاني: الطعن في الأوراق العرفية
سبق القول على أن الأوراق العرفية أو غير الرسمية هي التي تصدر من ذوي الشأن دون تدخل موظف حكومي. ومر علينا ذكر آية التداين، وكذلك تطرقنا إلى حديث النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم عن الوصية، ومما لا شك فيه أن هذه الوصية تعتبر من الأوراق غير الرسمية التي يكتبها صاحبها، فإذا توفي يأخذ الورثة بها، ولكن يثور التساؤل حول هل لهذه الورقة العرفية حجية لصاحبها؟ وهل يمكن الطعن بصحتها؟ وهذا ما سنوضحه في مطلبنا هذا.
فقد اختلف الفقهاء في مدى حجية الأخذ بالوصية إلى قسمين فمنهم من أجاز الأخذ بالوصية إذا عرف خط المتوفى، ومنهم من اشترط أن يشهد على وصيته شاهد لتنفذ. ومما احتج فيه أصحاب القول الأول الحديث المتقدم عن الوصية وأيضاً استدلوا على كتاباته عليه الصلاة والسلام إلى الملوك، وقالوا: (لأن الكتابة تدل على المقصود فهي كاللفظ، ولهذا يقع بها الطلاق[29]).
وكذلك احتجوا بأنه من المحتمل أنه يشهدهم على الوصية ثم يزيد فيها أو ينقص، وقال ابن القيم: (ولو لم يجز الاعتماد على الخط لم تكن لوصيته فائدة).
وعلى هذا السياق أخذ المنظم السعودي في حجية الورقة غير الرسمية، إذا توثقت أنها مصدره من صاحبها ولم ينكرها أو يطعن بتزويرها[30]، فإذا ادعى أنها مزورة يجب عليه أن يثبت ذلك، ولكن إذا أنكر صدور الورقة منه يلزم الطرف الآخر في إثبات صحتها، وعليها فإذا لم يستطع الطرف الثاني بإثبات ذلك، حينها تأخذ المحكمة بشهادة الشهود على الورقة أو تأمر بالتحقيق بالمضاهاة.[31]
وعلى هذا نستطيع أن نتوصل إلى نتيجة على ميول المنظم السعودي للأخذ بالقول الأول للفقهاء المذكور أعلاه.
ولعل من المهم ذكر ما جاء في المادة ٥١ من نفس النظام أنه يجوز أن يحل الإقرار القضائي أو مبدأ الثبوت بالكتابة أو اليمين الحاسمة في المواضع التي يجب بها الإثبات بالكتابة، إلا إذا ورد نص خاص يلزم الأخذ بالكتابة دون غيرها من الأدلة.
وقد عرف بالفقرة الثانية مبدأ الثبوت بالكتابة: وهي كل ما يصدره الخصم من كتابة تقرب احتمالية صحة التصرف المدعى به.
النتائج:
• أن المنظم السعودي منح السلطة الكاملة للمحكمة للتقدير في مدى حجية السند إذا طرأت عليه عيوب مادية، فقد تسقط حجيته وقد تنتقص منها، ولكنه قيد من ناحية الإنكار على الورقة الرسمية، حيث لم يجز للأطراف أن ينكروا الختم أو الخط أو الإمضاء إذا صدرت من موظف عام، مما يتبين لنا أنه اتجه إلى موافقة الرأي الأول عن الإمام أحمد، وهي التيقن من صحتها، ومما لاشك فيه بعد أن استحدثت الأختام والبصمات وغيرها من وسائل التوثيق، لم يعد اليقين مبني على معرفة الخط، بل على موثوقية الختم أو الإمضاء.
• أخذ المنظم السعودي بصحة الأوراق العرفية إلا إذا أنكرها المدعى عليه أو ادعى التزوير فيها، وعلى هذا نستطيع أن نتوصل إلى نتيجة على ميول المنظم السعودي للأخذ بقول الفقهاء المؤيدين للأخذ بالوصية دون الإلزام بوجود شهود عليها.
المصادر والمراجع:
القرآن الكريم.
السنة النبوية.
أسامة حجازي المسدي: الإثبات المقارن في الفقه الإسلامي والقانون السعودي والإماراتي، دار شتات، ط١، ٢٠١٣م.
ابن قدامة: المغني، دار الكتب العلمية، ط١، ٢٠٠٥م.
عبد الله آل خنين: الكاشف في شرح نظام المرافعات الشرعية، ط٥، دار بن فرحون، ١٤٣١هـ / ٢٠١٠م.
علي خطار شطناوي: أصول الصياغة القانونية، ط٢، مكتبة الرشد، ٢٠٢١م.
عبد العزيز بن سعد الدغيثر: أثر الكتابة في إثبات الحقوق، مجلة العدل، العدد ٤٢، ١٤٣٠.
فيصل العساف: الإثبات في النظام السعودي، ط١، الشقري، ١٤٣٧هـ / ٢٠١٦م.
محمد بن إسماعيل البخاري: صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب الشهادة على الخط.
الإمام محمد ابن القيم الجوزية: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، دار عالم الفوائد.
مجلة الأحكام الشرعية.
عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان، محمد إبراهيم أحمد علي، الأحكام الشرعية، مطبوعات تهامة، ط٣، ١٤٢٦هـ - ٢٠٠٥م.
عوض عبد الله أبو بكر، كتاب نظام الإثبات في الفقه الإسلامي، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ط١.
نظام الإثبات الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٤٣) في ١٤٤٣/٥/٢٦هـ الموافق: ٣٠/١٢/٢٠٢١م، مع أدلتها الإجرائية الصادرة بقرار وزير العدل رقم (٩٢١) وتاريخ ١٤٤٤/٠٣/١٦هـ.
نظام الدفاتر التجارية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/٦١) بتاريخ ١٤٠٩/١٢/١٧هـ الموافق: ٢٠/٧/١٩٨
[1] انظر: د. محمود محمد هاشم، ص ١٩١
[2] ابن منظور، لسان العرب،حرف ب، مادة كتب، ص٦٩٨
[3] عبدالله ال خنين، الكاشف، ص٩٠
[4] د. علي شطناوي، أصول الصياغة القانونية، ص١٢٢
[5] الطرق الحكمية، ابن القيم الجوزيه، ص٥٤٨
[6] الطرق الحكمية، ص٥٤٧
[7] عبد العزيز بن سعد الدغيثر، أثر الكتابة في اثبات الحقوق،ص١٤٥
[8] الاثبات في النظام السعودي، د.فيصل العساف، ص١٩٩
[9] نظام الاثبات السعودي، م٦٦/١،٢
[10] صحيح البخاري٢٣٧/٤، كتاب الاحكام-باب الشهادة على الخط
[11] القضاء، الإثبات المقارن في الفقه الإسلامي والقانون السعودي والإماراتي، ص١١٥
[12] الطرق الحكمية، ص ٥٤٤
[13] المغني، ابن قدامة، ج٩، ص٩٠ ومابعدها
[14] عبدالوهاب إبراهيم، محمد إبراهيم، الفصل الأول، الباب الثاني، كتاب ٢١، م٢٢٧٩
[15] نظام الاثبات السعودي، م٢٥
[16] مرجع سابق، م٢٦-٢٨
[17] عبدالله آل خنين، الكاشف، ط٥،ص٩٣
[18] نظام الاثبات السعودي، م٢٩،ف١
[19] نظام الاثبات السعودي، م٢٩، واللائحة الإجرائية م٣٨-٤٠
[20] مرجع سابق، م٣٠
[21] مرجع سابق، م٣١،ف٢
[22] نظام الدفاتر التجارية، م١
[23] نظام الاثبات، م٣١،ف٣،٤
[24] ابن القيم، الطرق الحكمية، ص٥٤٤ ومابعدها
[25] عوض أبو بكر، كتاب نظام الإثبات في الفقه الإسلامي، ص١١٣
[26] نظام الاثبات، م٣٨، ف١
[27] نظام الاثبات، م٤٤،ص١،٢
[28] مرجع سابق، م٤٥
[29] ابن القيم، الطرق الحكمية، ص٥٤٩
[30] نظام الاثبات، م٣٩
[31] نظام الاثبات، م٤٠